فصل: 914 - مَسْأَلَةٌ‏:‏ وَالأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ وَالْمَعْلُومَاتُ وَاحِدَةٌ‏,‏ وَهِيَ يَوْمُ النَّحْرِ‏,‏ وَثَلاَثَةٌ أَيَّامٍ بَعْدَهُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


908 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَيَأْكُلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ، وَلاَ بُدَّ كَمَا قلنا، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الأَهْدَاءِ الْوَاجِبَةِ إذَا بَلَغَتْ مَحِلَّهَا فَإِنْ أَكَلَ ضَمِنَ مِثْلَ مَا أَكَلَ فَقَطْ‏,‏ وَلاَ يُعْطَى فِي جِزَارَةِ الْهَدْيِ شَيْءٌ مِنْهُ أَصْلاً وَيَتَصَدَّقُ بِجِلاَلِهِ وَجُلُودِهِ، وَلاَ بُدَّ‏.‏

أَمَّا التَّطَوُّعُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ‏}‏‏,‏ وَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَرْضٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ حَجَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ جَابِرٌ ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً‏,‏ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ‏,‏ ثُمَّ أَمَرَ فِي كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا فَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُ عليه السلام بِأَخْذِ الْبِضْعَةِ وَطَبْخِهَا وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الأَكْلِ مِنْ بَعْضِ الْهَدْيِ دُونَ بَعْضٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ، حدثنا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُقَسِّمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا وَجِلاَلَهَا فِي الْمَسَاكِينِ، وَلاَ يُعْطِي فِي جِزَارَتِهَا مِنْهَا شَيْئًا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مَنْ جَعَلَ بَعْضَ أَوَامِرِهِ عليه السلام فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَرْضًا وَبَعْضَهَا نَدْبًا فَقَدْ تَحَكَّمَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ وَبِمَا لاَ يَحِلُّ مِنْ الْقَوْلِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ بَعَثَ بِهَدْيٍ وَقَالَ‏:‏ كُلْ أَنْتَ وَأَصْحَابَك ثُلُثًا وَتَصَدَّقْ بِثُلُثٍ وَابْعَثْ إلَى آلِ عُتْبَةَ ثُلُثًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا‏:‏ ثُلُثٌ لاَِهْلِك‏,‏ وَثُلُثٌ لَك‏,‏ وَثُلُثٌ لِلْمَسَاكِينِ‏.‏

وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَمَرَ أَنْ يُدْفَعَ لَهُ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ بِضْعَةٌ وَيُتَصَدَّقَ بِسَائِرِهَا‏.‏

وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا يُؤْكَلُ مِنْ الْهَدْيِ‏:‏ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ يُؤْكَلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلاَّ مِنْ جَزَاءِ صَيْدٍ وَنَذْرٍ‏.‏

وَعَنْ عَلِيٍّ‏:‏ لاَ يُؤْكَلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَلاَ مِنْ النَّذْرِ، وَلاَ مِمَّا جُعِلَ لِلْمَسَاكِينِ‏.‏

وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ‏:‏ يُؤْكَلُ مِنْ الْهَدْيِ كُلِّهِ إلاَّ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ يُؤْكَلُ مِنْ الْهَدْيِ خَمْسَةٌ‏:‏ النَّذْرُ‏,‏ وَالْمُتْعَةُ‏,‏ وَالتَّطَوُّعُ‏,‏ وَالْوَصِيَّةُ‏,‏ وَالْمُحْصَرُ‏,‏ إلاَّ الْكَفَّارَاتِ كُلَّهَا‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لاَ يُؤْكَلُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْهَدْيِ إلاَّ الْمُتْعَةُ‏,‏ وَالْقِرَانُ‏,‏ وَالتَّطَوُّعُ إذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ وقال مالك‏:‏ يُؤْكَلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْهَدْيِ إلاَّ التَّطَوُّعَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ‏,‏ وَجَزَاءَ الصَّيْدِ‏,‏ وَفِدْيَةَ الأَذَى‏,‏ وَنَذْرَ الْمَسَاكِينِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذِهِ آرَاءٌ مُجَرَّدَةٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا‏.‏

وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يُؤْكَلَ مِنْ كُلِّ هَدْيٍ إلاَّ مَا جُعِلَ لِلْمَسَاكِينِ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ وَأَيْنَ وَجَدْتُمْ أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ لِلْمَسَاكِينِ‏,‏ وَأَنَّ هَدْيَ الْمُتْعَةِ وَالإِحْصَارِ لَيْسَ لِلْمَسَاكِينِ وقال بعضهم‏:‏ قِسْنَا هَدْيَ الْمُتْعَةِ عَلَى هَدْيِ الْقِرَانِ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ أَيْنَ وَجَدْتُمْ أَنَّ عَلَى الْقَارِنِ هَدْيًا يَلْزَمُهُ بَعْدَ قِرَانِهِ وَقَدْ مَضَى الْكَلاَمُ فِي هَذَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ كُلُّ هَدْيٍ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَرْضًا فَقَدْ أَلْزَمَ صَاحِبَهُ إخْرَاجَهُ مِنْ مَالِهِ وَقَطْعَهُ مِنْهُ‏;‏ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ مَا قَدْ سَقَطَ مِلْكُهُ عَنْهُ إلاَّ بِنَصٍّ‏;‏ لَكِنْ يَأْكُلُ مِنْهُ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ إنْ شَاءُوا‏;‏ لأَِنَّهمْ غَيْرُهُ إلاَّ مَا سُمِّيَ لِلْمَسَاكِينِ فَلاَ يَأْكُلُوا مِنْهُ إنْ لَمْ يَكُونُوا مَسَاكِينَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

909 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَالآُضْحِيَّةُ لِلْحَاجِّ مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا هِيَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ‏.‏

وَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ لاَ يُضَحِّي الْحَاجُّ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا عَمْرُو النَّاقِدُ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ‏:‏ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ نَرَى إلاَّ الْحَجَّ فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ‏,‏ وَفِيهِ فَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام دَخَلَ عَلَيْهَا وَقَدْ حَاضَتْ بِسَرِفَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ مَكَّةَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا حَاضَتْ‏,‏ فَقَالَ لَهَا عليه السلام‏:‏ فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ قَالَتْ‏:‏ فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ كَثِيرٍ فَقُلْتُ‏:‏ مَا هَذَا فَقَالُوا‏:‏ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ وَإِلاَّ فَإِنَّمَا هِيَ ضَحَايَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ أَنَّ الْحَسَنَ أَبَاهُ تَمَتَّعَ فَذَبَحَ شَاتَيْنِ شَاةً لِمُتْعَتِهِ وَشَاةً لاُِضْحِيَّتِهِ‏.‏

وَقَدْ حَضَّ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام عَلَى الآُضْحِيَّةَ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ الْحَاجُّ مِنْ الْفَضْلِ وَالْقُرْبَةِ إلَى اللَّه تَعَالَى بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ‏.‏

910 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَإِنْ وَافَقَ الإِمَامُ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ‏:‏ جَهَرَ‏,‏ وَهِيَ صَلاَةُ جُمُعَةٍ‏,‏ وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَيْضًا بِمِنًى وَبِمَكَّةَ‏;‏ لأَِنَّ النَّصَّ لَمْ يَأْتِ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ‏}‏ فَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ غَيْرَ يَوْمِ عَرَفَةَ وَمِنًى مِنْ عَرَفَةَ وَمِنًى‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيِّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حدثنا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ‏:‏ إذَا وَافَقَ يَوْمُ جُمُعَةٍ يَوْمَ عَرَفَةَ‏:‏ جَهَرَ الإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ‏.‏

وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مِثْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ‏:‏ وَافَقَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحَجَّةَ النَّبِيِّ عليه السلام فَقَالَ‏:‏ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِمِنًى فَلْيَفْعَلْ‏,‏ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى وَلَمْ يَخْطُبْ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزُ‏:‏ وَفَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِثْلَ ذَلِكَ‏.‏

وبه إلى إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ وَبَرَةَ قَالَ‏:‏ وَافَقَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَصَلَّى ابْنُ الزُّبَيْرِ الظُّهْرَ وَلَمْ يَجْهَرْ بِالْقِرَاءَةِ‏:‏ فَهَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ فِيهِ كُلُّ بَلِيَّةٍ‏.‏

إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ مَتْرُوكٌ مِنْ الْكُلِّ‏,‏ ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ‏,‏ وَفِيهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَعَ ابْنِ أَبِي يَحْيَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ سَاقِطٌ‏;‏ ثُمَّ الْكَذِبُ فِيهِ ظَاهِرٌ‏;‏ لأَِنَّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ عليه السلام إنَّمَا كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَكَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏.‏

رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْفٍ، حدثنا أَبُو الْعَمِيسِ، حدثنا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏"‏ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ ‏"‏‏.‏

فإن قيل‏:‏ إنَّ الآثَارَ كُلَّهَا إنَّمَا فِيهَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام بِعَرَفَةَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قلنا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ وَصَلاَةُ الْجُمُعَةِ هِيَ صَلاَةُ الظُّهْرِ نَفْسُهَا وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَجْهَرْ فِيهَا‏,‏ وَالْجَهْرُ أَيْضًا لَيْسَ فَرْضًا وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي أَنَّ ظُهْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ لِلْجَمَاعَةِ رَكْعَتَانِ‏.‏

911 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَلاَ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الاِسْتِطَاعَةِ لَهُمَا‏;‏ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ عَصَى وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَمِرَ وَيَحُجَّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وقال الشافعي‏:‏ هُوَ فِي سَعَةٍ إلَى آخِرِ عُمْرِهِ‏.‏

بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً‏}‏‏,‏ وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ هَذَا مُتَوَجَّهٌ إلَى كُلِّ مُسْتَطِيعٍ‏;‏ فَلاَ يَخْلُو الْمُسْتَطِيعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ الْحَجُّ أَوْ لاَ يَكُونُ مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ الْحَجُّ‏;‏ فَإِنْ كَانَ مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ فِي عَامِهِ وَهُوَ قَوْلُنَا‏,‏ وَهُوَ إنْ لَمْ يَحُجَّ مُعَطِّلُ فَرْضٍ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مُفْتَرَضًا عَلَيْهِ الْحَجُّ فَهَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ مَفْسُوحًا لَهُ إلَى آخِرِ عُمْرِهِ فَإِنَّمَا تَلْحَقُهُ الْمَلاَمَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ‏,‏ وَالْمَلاَمَةُ لاَ تَلْحَقُ أَحَدًا بَعْدَ الْمَوْتِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ مَلُومٌ فِي حَيَاتِهِ‏.‏

فَإِنْ احْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ إلاَّ فِي آخِرِهَا قلنا‏:‏ لاَ بَيَانَ عِنْدَكُمْ مَتَى افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَجَّ‏,‏ وَمُمْكِنٌ أَنْ لاَ يَكُونَ اُفْتُرِضَ إلاَّ عَامَ حَجَّ عليه السلام‏,‏ وَمَا لاَ نَصَّ بَيِّنًا فِيهِ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ‏,‏ إلاَّ أَنَّنَا مُوقِنُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَدَعُ الأَفْضَلَ إلاَّ لِعُذْرٍ مَانِعٍ‏,‏ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ مَعَنَا فِي أَنَّ التَّعْجِيلَ أَفْضَلُ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا تَأْخِيرَ الصَّلاَةِ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا‏.‏

قلنا‏:‏ هَذَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ فَأَوْجِدُونَا نَصًّا بَيِّنًا فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الْحَجِّ وَهُوَ قَوْلُكُمْ حِينَئِذٍ‏,‏ وَلاَ سَبِيلَ إلَى هَذَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

912 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَإِنَّمَا تُرَاعَى الاِسْتِطَاعَةُ بِحَيْثُ لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي حَدَثَتْ لَهُ فِيهِ الاِسْتِطَاعَةُ فَيُدْرِكُ الْحَجَّ فِي وَقْتِهِ وَالْعُمْرَةَ‏,‏ فَإِنْ اسْتَطَاعَ قَبْلَ ذَلِكَ الْعَامِ كُلِّهِ وَبَطَلَتْ اسْتِطَاعَتُهُ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَطِيعًا، وَلاَ لَزِمَهُ الْحَجُّ‏;‏ لأَِنَّه لَمْ يُكَلَّفْ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ إلاَّ فِي وَقْتِ الْحَجِّ فَيَكُونُ قَارِنًا‏,‏ أَوْ مُتَمَتِّعًا‏.‏

913 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

فَمَنْ اسْتَطَاعَ كَمَا ذَكَرْنَا‏,‏ ثُمَّ بَطَلَتْ اسْتِطَاعَتُهُ أَوْ لَمْ تَبْطُلْ فَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ أَدَاؤُهُمَا عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ قَبْلَ دُيُونِ النَّاسِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ‏.‏

فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ يَحُجُّ عَنْهُ إلاَّ بِأُجْرَةٍ اُسْتُؤْجِرَ عَنْهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ عليه السلام ‏"‏ دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ ‏"‏ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرُ مِنْ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ لاَ يَلْزَمُ غَيْرُ هَذَا‏,‏ إلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ‏,‏ فَتَكُونُ الإِجَارَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى الْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ مَا مِنْ الثُّلُثِ‏;‏ لأَِنَّه عَمَلٌ لاَ يَلْزَمُ‏.‏

وَلَوْ خَرَجَ الْمَرْءُ مِنْ مَنْزِلِهِ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ لاَ يَنْوِي حَجًّا‏,‏ وَلاَ عُمْرَةً فَأَتَى الْمِيقَاتَ فَحِينَئِذٍ لَزِمَهُ الإِحْرَامُ وَالدُّخُولُ فِي عَمَلِ الْحَجِّ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ‏.‏

وَجَائِزٌ أَنْ تَحُجَّ الْمَرْأَةُ عَنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ‏,‏ وَالرَّجُلُ عَنْ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ‏,‏ لاَِمْرِ النَّبِيِّ عليه السلام الْخَثْعَمِيَّةَ أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا‏,‏ وَأَمْرِهِ عليه السلام الرَّجُلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أُمِّهِ‏;‏ وَالرَّجُلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبِيهِ‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَافْعَلُوا الْخَيْرَ‏}‏ وَهَذَا خَيْرٌ‏,‏ فَجَائِزٌ أَنْ يَفْعَلَهُ كُلُّ أَحَدٍ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ‏.‏

وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَغَيْرِهِمَا‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ عَلَى الْحَجِّ‏,‏ وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ مَالاً لِيَحُجَّ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ بِهِ فَقَطْ‏,‏ وَاحْتَجَّ فِي مَنْعِ الإِجَارَةِ فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ قَائِلُهُمْ‏:‏ لاَ تَجُوزُ الإِجَارَةُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَلاَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا الإِجَارَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَنَعَمْ‏,‏ وَأَمَّا عَلَى الطَّاعَةِ فَقَوْلُهُمْ فِيهِ بَاطِلٌ‏,‏ بَلْ الإِجَارَةُ جَائِزَةٌ عَلَى الطَّاعَةِ‏,‏ وَقَدْ أَمَرَ عليه السلام بِالْمُؤَاجَرَةِ وَأَبَاحَهَا وَحَضَّ عَلَى إعْطَاءِ الأَجِيرِ أَجْرَهُ‏,‏ فَكَانَ هَذَا جَائِزًا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إلاَّ مَا مَنَعَ مِنْهُ نَصٌّ فَقَطْ‏,‏ وَهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى جَوَازِ الإِجَارَةِ فِي بُنْيَانِ الْمَسَاجِدِ‏,‏ وَعَلَى جَوَازِ الإِجَارَةِ لِلإِبِلِ لِلْحَجِّ عَلَيْهَا‏,‏ وَعَلَى جَلاَءِ سِلاَحِ الْمُجَاهِدِينَ‏,‏ وَكُلُّ ذَلِكَ طَاعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى‏,‏ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ‏.‏

وَتُعْقَدُ الإِجَارَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِأَنْ تُعْطَى دَرَاهِمُ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ‏,‏ أَوْ فِي هَدْيٍ يَسُوقُهُ قَبْلَ الإِحْرَامِ لِيَكُونَ قَارِنًا‏,‏ ثُمَّ يُوصَفُ لَهُ عَمَلُ الْحَجِّ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ كُلُّهُ مِنْ تَحْدِيدِ الْمِيقَاتِ وَعَدَدِ التَّلْبِيَةِ‏,‏ وَوَقْتِ الْمِيقَاتِ بِعَرَفَةَ‏,‏ وَصِفَةِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْمَقَامِ وَالتَّعْجِيلِ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ التَّأْخِيرِ‏,‏ فَإِنْ حَجَّ الْعَامَ فَحَسَنٌ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الإِجَارَةِ شَيْءٌ وَبَطَلَ الْعَقْدُ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَحَسَنٌ‏,‏ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ إمْكَانِ الْحَجِّ لَهُ وَيُجْزِي مَتَى حَجَّ عَنْهُ كَسَائِرِ الأَعْمَالِ الْمَوْصُوفَةِ مِنْ الْخِيَاطَةِ وَغَيْرِهَا‏.‏

وَكُلُّ مَا أَصَابَ الأَجِيرَ مِنْ فِدْيَةِ الأَذَى فَهُوَ عَلَيْهِ لاَ عَلَى الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فَإِنْ تَعَمَّدَ إبْطَالَ الْحَجِّ‏,‏ أَوْ عُمْرَتِهِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ مِنْ الآُجْرَةِ‏;‏ لأَِنَّه لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا مِمَّا أُمِرَ بِهِ‏.‏

فَلَوْ عَمِلَ بَعْضَ عَمَلِ الْحَجِّ‏,‏ أَوْ الْعُمْرَةِ‏,‏ ثُمَّ مَرِضَ أَوْ مَاتَ‏,‏ أَوْ صُدَّ كَانَ لَهُ بِمِقْدَارِ مَا عَمِلَ‏,‏ وَلاَ يَكُونُ لَهُ الْبَاقِي‏;‏ لأَِنَّه قَدْ عَمِلَ بَعْضَ مَا أُمِرَ بِهِ كَمَا أُمِرَ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ تَرْكَ الْبَاقِي‏,‏ وَيَكُونُ هَدْيُ الإِحْصَارِ فِي مَالِ الْمُحْصَرِ‏;‏ لأَِنَّه لَيْسَ مِمَّا يُعْمَلُ عَنْ الْمَيِّتِ فَيَسْتَأْجِرُ عَنْهُ مَنْ يَرْمِي الْجِمَارَ‏,‏ أَوْ يَطُوفُ عَنْهُ‏,‏ وَيَسْعَى مِمَّنْ قَدْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ‏,‏ وَطَافَ عَنْ نَفْسِهِ‏,‏ وَمِمَّنْ يُحْرِمُ عَنْهُ وَيَقِفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ‏,‏ وَيُوَفِّي عَنْهُ بَاقِيَ عَمَلِ الْحَجِّ إنْ كَانَ لَمْ يَعْمَلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا‏.‏

وَلاَ يَجُوزُ إعْطَاءُ مَالٍ لِيَحُجَّ بِهِ عَنْ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ‏;‏ لأَِنَّ الْمَالَ قَدْ يَضِيعُ فَلاَ يَلْزَمُ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ ضَمَانُ مَالٍ، وَلاَ عَمَلُ حَجٍّ‏,‏ فَهُوَ تَضْيِيعٌ لِمَالِ الْمَيِّتِ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ‏.‏

فَلَوْ أَعْطَاهُ حَيٌّ لِيَحُجَّ بِهِ عَنْهُ كَانَ عَقْدًا غَيْرَ لاَزِمٍ حَتَّى يُتِمَّ الْحَجَّ‏,‏ فَإِذَا تَمَّ حِينَئِذٍ اسْتَحَقَّ مَا أُعْطِيَ وَأَجْزَأَ عَنْ الْمُعْطِي وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَلاَ يُجْزِئُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ لَمْ يَحُجَّ، وَلاَ اعْتَمَرَ إلاَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ حِينَ اُسْتُؤْجِرَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ‏;‏ لأَِنَّه غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ لِلْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ فَلاَ يَلْزَمُهُ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ لِلْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّا يَأْخُذُ مِنْ الآُجْرَةِ فَاسْتِئْجَارُهُ لِمَا يَسْتَطِيعُ عَلَيْهِ جَائِزٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

914 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَالأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ وَالْمَعْلُومَاتُ وَاحِدَةٌ‏,‏ وَهِيَ يَوْمُ النَّحْرِ‏,‏ وَثَلاَثَةٌ أَيَّامٍ بَعْدَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ‏}‏ وَالتَّعْجِيلُ الْمَذْكُورُ وَالتَّأْخِيرُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ بِلاَ خَوْفٍ مِنْ أَحَدٍ فِي أَيَّامِ رَمْيِ الْجِمَارِ‏.‏

وَأَيَّامُ رَمْيِ الْجِمَارِ بِلاَ خِلاَفٍ هُوَ يَوْمُ النَّحْرُ وَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ‏}‏ فَهَذِهِ بِلاَ شَكٍّ أَيَّامُ النَّحْرِ الَّتِي تُنْحَرُ فِيهَا بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ‏,‏ وَهِيَ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حدثنا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ الأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ‏:‏ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ‏:‏ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي وَقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَوْمُ النَّحْرِ‏,‏ وَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ‏:‏ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَهَذَا قَوْلُنَا‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ غَيْرُ هَذَا‏,‏ وَقَبْلُ وَبَعْدُ‏,‏ فَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ ذَلِكَ إلاَّ بِنَصٍّ‏,‏ وَأَمَّا بِالدَّعْوَى وَقَوْلِ قَائِلٍ قَدْ خُولِفَ فَلاَ‏.‏

صَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏,‏ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الأَيَّامَ الْمَعْلُومَاتِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ‏,‏ آخِرُهَا يَوْمُ النَّحْرِ‏,‏ وَأَنَّ الْمَعْدُودَاتِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ‏.‏

رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ هُشَيْمٍ، حدثنا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ وَعَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏,‏ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ‏,‏ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ‏,‏ وَعَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏,‏ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ‏,‏ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ زِرٍّ‏,‏ وَنَافِعٍ‏,‏ قَالَ زِرٌّ‏:‏ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏,‏ وَقَالَ نَافِعٌ‏:‏ عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏,‏ ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيٌّ‏,‏ وَابْنُ عُمَرَ‏,‏ قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ الأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ‏,‏ اذْبَحْ فِي أَيُّهَا شِئْت‏,‏ وَأَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حدثنا حَمَّادٌ بْن عِيسَى الْجُهَنِيُّ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ‏:‏ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، حدثنا ابْنُ عَجْلاَنَ، حدثنا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ الأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ‏:‏ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ‏,‏ وَالْمَعْدُودَاتُ‏:‏ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ النَّحْرِ‏,‏ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً إلاَّ تَعَلَّقَهُ بِابْنِ عُمَرَ‏,‏ وقد رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ خِلاَفَ هَذَا‏,‏ وَخَالَفَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ‏,‏ وَعَلِيٌّ‏,‏ فَلَيْسَ التَّعَلُّقُ بِبَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ‏.‏

وَاحْتَجَّ الآخَرُونَ بِأَنْ قَالُوا‏:‏ قَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ اسْمَيْهِمَا قلنا‏:‏ نَعَمْ وَجَمَعَ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا فِي أَنَّهُ أَمَرَ بِذَكَرِهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَقَطْ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ يَوْمٌ دُونَ يَوْمٍ‏,‏ وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِالنَّحْرِ لِلَّهِ تَعَالَى يَوْمٌ دُونَ يَوْمٍ‏;‏ لأَِنَّه فِعْلُ خَيْرٍ وَبِرٍّ إلاَّ بِنَصٍّ‏,‏ وَلاَ نَصَّ فِي تَخْصِيصِ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

915 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَنَسْتَحِبُّ الْحَجَّ بِالصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا أَوْ كَبِيرًا وَلَهُ حَجٌّ وَأَجْرٌ‏,‏ وَهُوَ تَطَوُّعٌ‏,‏ وَلِلَّذِي يَحُجُّ بِهِ أَجْرٌ‏,‏ وَيَجْتَنِبُ مَا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ‏,‏ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ وَاقَعَ مِنْ ذَلِكَ مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ‏,‏ وَيُطَافُ بِهِ‏,‏ وَيُرْمَى عَنْهُ الْجِمَارُ إنْ لَمْ يُطِقْ ذَلِكَ‏.‏

وَيُجْزِي الطَّائِفَ بِهِ طَوَافُهُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ‏.‏

وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُدَرَّبُوا وَيُعَلَّمُوا الشَّرَائِعَ مِنْ الصَّلاَةِ‏,‏ وَالصَّوْمِ إذَا أَطَاقُوا ذَلِكَ وَيُجَنَّبُوا الْحَرَامَ كُلَّهُ‏,‏ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَفَضَّلُ بِأَنْ يَأْجُرَهُمْ‏,‏ وَلاَ يَكْتُبُ عَلَيْهِمْ إثْمًا حَتَّى يَبْلُغُوا‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَبِيًّا فَقَالَتْ‏:‏ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ‏:‏ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَالْحَجُّ عَمَلٌ حَسَنٌ‏,‏ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً‏}‏‏.‏

فإن قيل‏:‏ لاَ نِيَّةَ لِلصَّبِيِّ قلنا‏:‏ نَعَمْ‏,‏ وَلاَ تَلْزَمُهُ إنَّمَا تَلْزَمُ النِّيَّةُ الْمُخَاطَبَ الْمَأْمُورَ الْمُكَلَّفَ‏,‏ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مُخَاطَبًا، وَلاَ مُكَلَّفًا، وَلاَ مَأْمُورًا وَإِنَّمَا أَجْرُهُ تَفَضُّلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مُجَرَّدٌ عَلَيْهِ كَمَا يَتَفَضَّلُ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلاَ نِيَّةَ لَهُ، وَلاَ عَمَلَ بِأَنْ يَأْجُرَهُ بِدُعَاءِ ابْنِهِ لَهُ بَعْدَهُ وَبِمَا يَعْمَلُهُ غَيْرُهُ عَنْهُ مِنْ حَجٍّ‏,‏ أَوْ صِيَامٍ‏,‏ أَوْ صَدَقَةٍ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ‏,‏ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ‏.‏

وَإِذَا الصَّبِيُّ قَدْ رُفِعَ عَنْهُ الْقَلَمُ فَلاَ جَزَاءَ عَلَيْهِ فِي صَيْدٍ إنْ قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي إحْرَامِهِ‏,‏ وَلاَ فِي حَلْقِ رَأْسِهِ لاَِذًى بِهِ‏,‏ وَلاَ عَنْ تَمَتُّعِهِ‏,‏ وَلاَ لاِِحْصَارِهِ‏;‏ لأَِنَّه غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ وَلَوْ لَزِمَهُ هَدْيٌ لَلَزِمَهُ أَنْ يُعَوِّضَ مِنْهُ الصِّيَامَ وَهُوَ فِي الْمُتْعَةِ‏,‏ وَحَلْقِ الرَّأْسِ‏,‏ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ‏,‏ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ هَذَا، وَلاَ يَفْسُدُ حَجُّهُ بِشَيْءِ مِمَّا ذَكَرْنَا‏,‏ إنَّمَا هُوَ مَا عَمِلَ‏,‏ أَوْ عُمِلَ بِهِ أُجِرَ‏,‏ وَمَا لَمْ يَعْمَلْ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ‏.‏

وَقَدْ كَانَ الصِّبْيَانُ يَحْضُرُونَ الصَّلاَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام‏,‏ صَحَّتْ بِذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ‏:‏ كَصَلاَتِهِ بِأُمَامَةَ بِنْتِ أَبِي وَقَّاصٍ‏,‏ وَحُضُورِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَهُ الصَّلاَةَ‏,‏ وَسَمَاعِهِ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏,‏ وَيُجْزِي الطَّائِفَ بِهِ طَوَافُهُ عَنْ نَفْسِهِ‏;‏ لأَِنَّه طَائِفٌ وَحَامِلٌ‏,‏ فَهُمَا عَمَلاَنِ مُتَغَايِرَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمٌ‏,‏ كَمَا هُوَ طَائِفٌ وَرَاكِبٌ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ‏.‏

916 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي حَالِ إحْرَامِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامًا وَيَشْرَعَ فِي عَمَلِ الْحَجِّ‏,‏ فَإِنْ فَاتَتْهُ عَرَفَةُ‏,‏ أَوْ مُزْدَلِفَةُ‏,‏ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ، وَلاَ شَيْءَ‏.‏

أَمَّا تَجْدِيدُهُ الإِحْرَامَ فَلاَِنَّهُ قَدْ صَارَ مَأْمُورًا بِالْحَجِّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ‏;‏ لأَِنَّ إحْرَامَهُ الأَوَّلَ كَانَ تَطَوُّعَا وَالْفَرْضُ أَوْلَى مِنْ التَّطَوُّعِ‏.‏

917 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

مَنْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ‏,‏ ثُمَّ ارْتَدَّ‏,‏ ثُمَّ هَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ فَأَسْلَمَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْحَجَّ، وَلاَ الْعُمْرَةَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَحَدُ قَوْلَيْ اللَّيْثِ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏,‏ وَمَالِكٌ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏:‏ يُعِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ‏,‏ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ‏}‏ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَهَا‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ فِيهَا‏:‏ لَئِنْ أَشْرَكَتْ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك الَّذِي عَمِلْت قَبْلَ أَنْ تُشْرِكَ‏,‏ وَهَذِهِ زِيَادَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَجُوزُ‏,‏ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ يَحْبَطُ عَمَلُهُ بَعْدَ الشِّرْكِ إذَا مَاتَ أَيْضًا عَلَى شِرْكِهِ لاَ إذَا أَسْلَمَ وَهَذَا حَقٌّ بِلاَ شَكٍّ‏.‏

وَلَوْ حَجَّ مُشْرِكٌ أَوْ اعْتَمَرَ‏,‏ أَوْ صَلَّى‏,‏ أَوْ صَامَ‏,‏ أَوْ زَكَّى‏,‏ لَمْ يُجْزِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ الْوَاجِبِ‏,‏ وَأَيْضًا فَإِنَّ قوله تعالى فِيهَا‏:‏ ‏{‏وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ‏}‏ بَيَانُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا رَجَعَ إلَى الإِسْلاَمِ لَمْ يَحْبَطْ مَا عَمِلَ قَبْلُ فِي إسْلاَمِهِ أَصْلاً بَلْ هُوَ مَكْتُوبٌ لَهُ وَمُجَازًى عَلَيْهِ بِالْجَنَّةِ‏;‏ لأَِنَّه لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ لاَ هُمْ، وَلاَ نَحْنُ فِي أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا رَاجَعَ الإِسْلاَمَ لَيْسَ مِنْ الْخَاسِرِينَ‏,‏ بَلْ مِنْ الْمُرْبِحِينَ الْمُفْلِحِينَ الْفَائِزِينَ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الَّذِي يَحْبَطُ عَمَلُهُ هُوَ الْمَيِّتُ عَلَى كُفْرِهِ مُرْتَدًّا أَوْ غَيْرَ مُرْتَدٍّ‏,‏ وَهَذَا هُوَ مِنْ الْخَاسِرِينَ بِلاَ شَكٍّ‏,‏ لاَ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ كُفْرِهِ أَوْ رَاجَعَ الإِسْلاَمَ بَعْدَ رِدَّتِهِ‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ‏}‏ فَصَحَّ نَصُّ قَوْلِنَا‏:‏ مِنْ أَنَّهُ لاَ يَحْبَطُ عَمَلُهُ إنْ ارْتَدَّ إلاَّ بِأَنْ يَمُوتَ وَهُوَ كَافِرٌ‏.‏

وَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ‏}‏‏.‏

وَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ حَجَّهُ وَعُمْرَتَهُ إذَا رَاجَعَ الإِسْلاَمَ سَيَرَاهُمَا، وَلاَ يَضِيعَانِ لَهُ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طُرُقٍ كَالشَّمْسِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ‏,‏ وَيُونُسَ‏,‏ وَمَعْمَرٍ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ‏.‏

وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الْمَعْنَى‏,‏ ثُمَّ اتَّفَقَ الزُّهْرِيُّ‏,‏ وَهِشَامٌ كِلاَهُمَا عَنْ عُرْوَةَ وَاللَّفْظُ لِلزُّهْرِيِّ‏,‏ قَالَ‏:‏ حدثنا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ عليه السلام‏:‏ أَيْ رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ‏,‏ أَوْ عَتَاقَةٍ‏,‏ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ‏,‏ أَفِيهَا أَجْرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام‏:‏ أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ‏,‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَصَحَّ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا أَسْلَمَ‏,‏ وَالْكَافِرُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ قَطُّ‏,‏ إذَا أَسْلَمَا فَقَدْ أَسْلَمَا عَلَى مَا أَسَلَفَا مِنْ الْخَيْرِ‏,‏ وَقَدْ كَانَ الْمُرْتَدُّ إذَا حَجَّ وَهُوَ مُسْلِمٌ قَدْ أَدَّى مَا أُمِرَ بِهِ‏,‏ وَمَا كُلِّفَ كَمَا أُمِرَ بِهِ فَقَدْ أَسْلَمَ الآنَ عَلَيْهِ‏,‏ فَهُوَ لَهُ كَمَا كَانَ‏.‏

وَأَمَّا الْكَافِرُ يَحُجُّ كَالصَّابِئِينَ الَّذِينَ يَرَوْنَ الْحَجَّ إلَى مَكَّةَ فِي دِينِهِمْ‏,‏ فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ‏;‏ لأَِنَّه لَمْ يُؤَدِّهِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ‏;‏ لأَِنَّ مِنْ فَرْضِ الْحَجِّ وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ كُلِّهَا أَنْ لاَ تُؤَدَّى إلاَّ كَمَا أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي الدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ‏,‏ الَّذِي لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى دِينًا غَيْرَهُ‏,‏ وَقَالَ عليه السلام‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمَرْنَا فَهُوَ رَدٌّ‏.‏

وَالصَّابِئُ إنَّمَا حَجَّ كَمَا أَمَرَهُ يوراسف‏,‏ أَوْ هُرْمُسُ فَلاَ يُجْزِئُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَيَلْزَمُ مَنْ أَسْقَطَ حَجَّهُ بِرِدَّتِهِ أَنْ يُسْقِطَ إحْصَانَهُ‏,‏ وَطَلاَقَهُ الثَّلاَثَ‏,‏ وَبَيْعَهُ‏,‏ وَابْتِيَاعَهُ‏,‏ وَعَطَايَاهُ الَّتِي كَانَتْ فِي الإِسْلاَمِ‏,‏ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا‏;‏ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ‏.‏

918 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَلاَ تَحِلُّ لُقَطَةٌ فِي حَرَمِ مَكَّةَ‏,‏ وَلاَ لُقَطَةُ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ‏,‏ أَوْ عُمْرَةٍ‏,‏ مُذْ يُحْرِمُ إلَى أَنْ يُتِمَّ جَمِيعَ عَمَلِ حَجِّهِ‏.‏

إلاَّ لِمَنْ يَنْشُدُهَا أَبَدًا لاَ يُحَدُّ تَعْرِيفُهَا بِعَامٍ، وَلاَ بِأَكْثَرَ، وَلاَ بِأَقَلَّ‏,‏ فَإِنْ يَئِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا قَطْعًا مُتَيَقِّنًا حَلَّتْ حِينَئِذٍ لِوَاجِدِهَا‏,‏ بِخِلاَفِ سَائِرِ اللُّقَطَاتِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ الْعَامِ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٌ، حدثنا الأَوْزَاعِيُّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ‏,‏ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ‏,‏ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لاَِحَدٍ قَبْلِي‏,‏ وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ‏,‏ وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لاَِحَدٍ بَعْدِي‏,‏ فَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا‏,‏ وَلاَ تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلاَّ لِمُنْشِدٍ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لَيْسَتْ هَذِهِ إلاَّ صِفَةَ الْحَرَمِ لاَ الْحِلِّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ‏:‏ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلاَمًا وَفِيهِ فَلاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏,‏ فَأَحَلَّهَا عليه السلام لِلْمُنْشِدِ وَأَوْجَبَ تَعْرِيفَهَا بِغَيْرِ تَحْدِيدٍ‏.‏

وَقَالَ عليه السلام‏:‏ ‏"‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ‏"‏‏.‏

وَاللُّقَطَةُ هِيَ غَيْرُ مَالِ الْمُلْتَقِطِ فَهِيَ عَلَيْهِ حَرَامٌ‏.‏

وَالتَّعْرِيفُ إنَّمَا هُوَ لِيُوجَدَ مَنْ يَعْرِفُهَا أَوْ صَاحِبُهَا فَهَذَا الْحُكْمُ لاَزِمٌ‏,‏ فَإِذَا يَئِسَ بِيَقِينٍ عَنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا سَقَطَ التَّعْرِيفُ‏,‏ إذْ مِنْ الْبَاطِلِ تَعْرِيفُ مَا يُوقَنُ أَنَّهُ لاَ يُعْرَفُ‏,‏ وَإِذَا سَقَطَ التَّعْرِيفُ حَلَّتْ حِينَئِذٍ بِالنَّصِّ لِمُنْشِدِهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ، حدثنا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ الْحَاجُّ هُوَ مَنْ هُوَ فِي عَمَلِ الْحَجِّ‏,‏ وَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ فَهُوَ مُرِيدٌ لِلْحَجِّ وَلَيْسَ حَاجًّا بَعْدُ‏,‏ وَأَمَّا بَعْدَ إتْمَامِهِ عَمَلَ الْحَجِّ فَقَدْ حَجّ وَلَيْسَ حَاجًّا الآنَ‏,‏ وَإِنَّمَا سُمِّيَ حَاجًّا مَجَازًا‏,‏ كَمَا أَنَّ الصَّائِمَ‏,‏ أَوْ الْمُصَلِّيَ‏,‏ أَوْ الْمُجَاهِدَ‏,‏ إنَّمَا هُوَ صَائِمٌ‏,‏ وَمُصَلٍّ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ‏,‏ مَا دَامَ فِي عَمَلِ ذَلِكَ‏,‏ وَكَذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ‏.‏

وَنَهْيُهُ عليه السلام عَنْ لُقَطَةٍ لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا‏,‏ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَهَى عليه السلام عَنْ أَخْذِهَا‏,‏ أَوْ نَهَى عَنْ تَمَلُّكِهَا‏,‏ فأما أَخْذُهَا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى‏}‏ وَنَهَى عليه السلام عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ‏,‏ وَتَرْكُهَا إضَاعَةٌ لَهَا بِلاَ شَكٍّ‏,‏ وَحِفْظُهَا تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عليه السلام عَنْ تَمَلُّكِهَا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَنْهَ عَنْ حِفْظِهَا، وَلاَ عَنْ تَعْرِيفِهَا‏,‏ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا بِعَيْنِهَا‏,‏ هَذَا نَصُّ الْحَدِيثِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ تَمَلُّكِهَا فَإِذَا يَئِسَ عَنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا بِيَقِينٍ فَكُلُّ مَالٍ لاَ يُعْرَفُ صَاحِبُهُ فَهُوَ لِلَّهِ تَعَالَى‏,‏ ثُمَّ فِي مَصَالِحِ عِبَادِهِ‏,‏ وَالْمُلْتَقِطُ أَحَدُهُمْ وَهِيَ فِي يَدِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا‏,‏ وَلاَ يَتَعَدَّى بِهِ إلَى غَيْرِهِ إلاَّ بِبُرْهَانٍ‏,‏ وَحُكْمُ الْمُعْتَمِرِ كَحُكْمِ الْحَاجِّ لِقَوْلِهِ عليه السلام دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

919 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَكَّةُ أَفْضَلُ بِلاَدِ اللَّهِ تَعَالَى‏,‏ نَعْنِي الْحَرَمَ وَحْدَهُ وَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ عَرَفَاتٍ فَقَطْ‏.‏

وَبَعْدَهَا مَدِينَةُ النَّبِيِّ عليه السلام نَعْنِي حَرَمَهَا وَحْدَهُ‏.‏

ثُمَّ بَيْتُ الْمَقْدِسِ‏,‏ نَعْنِي الْمَسْجِدَ وَحْدَهُ هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ‏.‏

وقال مالك‏:‏ الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ‏,‏ وَاحْتَجَّ مُقَلِّدُوهُ بِأَخْبَارٍ ثَابِتَةٍ‏.‏

مِنْهَا‏:‏ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لَهَا‏,‏ وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ‏,‏ وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ إبْرَاهِيمُ لاَِهْلِ مَكَّةَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏;‏ لأَِنَّه لاَ دَلِيلَ فِيهِ عَلَى فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ أَصْلاً‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهِ‏:‏ أَنَّهُ عليه السلام حَرَّمَهَا كَمَا حَرَّمَ إبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَدَعَا لَهَا كَمَا دَعَا إبْرَاهِيمُ لِمَكَّةَ فَقَطْ‏,‏ وَهَذَا حَقٌّ‏,‏ وَقَدْ دَعَا عليه السلام لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ كَمَا دَعَا لاَِبِي بَكْرٍ‏,‏ وَعُمَرَ‏,‏ وَلاَِصْحَابِهِ رضي الله عنهم فَهَلْ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِنَا عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى مُسَاوَاتِنَا فِي الْفَضْلِ هَذَا مَا لاَ يَقُولُهُ ذُو عَقْلٍ‏.‏

وَقَدْ حَرَّمَ عليه السلام‏:‏ الدِّمَاءَ‏,‏ وَالأَعْرَاضَ‏,‏ وَالأَمْوَالَ‏,‏ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلٍ‏;‏ وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ آخَرَ صَحِيحٍ‏:‏ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَقُولُ‏:‏ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي تَمْرِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا‏,‏ اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنَّهُ دَعَا لِمَكَّةَ‏,‏ وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ بِهِ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ‏.‏

وَبِخَبَرٍ صَحِيحٍ فِيهِ‏:‏ اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنْ الْبَرَكَةِ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ فِي فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ وَإِنَّمَا فِيهِ الدُّعَاءُ لِلْمَدِينَةِ بِالْبَرَكَةِ‏,‏ وَنَعَمْ‏,‏ هِيَ وَاَللَّهِ مُبَارَكَةٌ‏,‏ وَإِنَّمَا دَعَا إبْرَاهِيمُ لِمَكَّةَ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ تَعَالَى إذْ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ‏}‏‏.‏

وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ الثِّمَارَ بِالْمَدِينَةِ أَكْثَرُ مِمَّا بِمَكَّةَ‏.‏

، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لَمْ يَدْعُ لِلْمَدِينَةِ بِأَنْ تَهْوِي أَفْئِدَةُ النَّاسِ إلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ هَوِيِّهَا إلَى مَكَّةَ‏;‏ لأَِنَّ الْحَجَّ إلَى مَكَّةَ لاَ إلَى الْمَدِينَةِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ دُعَاءَهُ عليه السلام لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ إبْرَاهِيمُ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الرِّزْقِ مِنْ الثَّمَرَاتِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْفَضْلِ فِي شَيْءٍ‏.‏

وَمِنْهَا قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا‏,‏ وَإِنَّمَا تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ، وَلاَ حُجَّةَ فِيهِ فِي فَضْلِهَا عَلَى مَكَّةَ‏;‏ لأَِنَّ هَذَا الْخَبَرَ إنَّمَا هُوَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ‏,‏ وَفِي قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ‏,‏ وَفِي خَاصٍّ لاَ فِي عَامٍّ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ عليه السلام لاَ يَقُولُ إلاَّ الْحَقَّ‏,‏ وَمَنْ أَجَازَ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام الْكَذِبَ فَهُوَ كَافِرٌ‏;‏ وَقَالَ اللَّه تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ‏}‏‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ أَخْبَثُ الْخَلْقِ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانُوا بِالْمَدِينَةِ‏,‏ وَكَذَلِكَ قَدْ خَرَجَ‏:‏ عَلِيٌّ‏,‏ وَطَلْحَةُ‏,‏ وَالزُّبَيْرُ‏,‏ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ‏,‏ وَمُعَاذٌ‏,‏ وَابْنُ مَسْعُودٍ‏,‏ عَنْ الْمَدِينَةِ‏,‏ وَهُمْ مِنْ أَطْيَبِ الْخَلْقِ رضي الله عنهم بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ مُسْلِمٍ حَاشَا الْخَوَارِجَ فِي بُغْضِهِمْ‏.‏

فَصَحَّ يَقِينًا لاَ يَمْتَرِي فِيهِ إلاَّ مُسْتَخِفٌّ بِالنَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَعْنِ بِالْمَدِينَةِ تَنْفِي الْخُبْثَ إلاَّ فِي خَاصٍّ مِنْ النَّاسِ‏,‏ وَفِي خَاصٍّ مِنْ الزَّمَانِ لاَ عَامٍّ‏.‏

وَقَدْ جَاءَ كَلاَمُنَا هَذَا نَصًّا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزُ يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حَدِيثٍ أَلاَ إنَّ الْمَدِينَةَ كَالْكِيرِ يُخْرِجُ الْخَبَثَ لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِيَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيق أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام قَالَ‏:‏ لَيْسَ بَلَدٌ إلاَّ سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ‏,‏ إلاَّ الْمَدِينَةَ‏,‏ وَمَكَّةَ‏,‏ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ الْمَلاَئِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا فَيَنْزِلُ بِالسَّبْخَةِ فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ يَخْرُجُ إلَيْهِ مِنْهَا كُلُّ مُنَافِقٍ وَكَافِرٍ وَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ لاَ بِنَصٍّ‏,‏ وَلاَ بِدَلِيلٍ‏.‏

وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ مَا مِنْ بَلَدٍ إلاَّ سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إلاَّ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ إنَّمَا هُوَ سَيَطَؤُهُ أَمْرُهُ وَبُعُوثُهُ لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا‏,‏ وَسَكَّانُ الْمَدِينَةِ الْيَوْمَ أَخْبَثُ الْخُبْثِ‏,‏ وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى مُصِيبَتِنَا فِي ذَلِكَ‏;‏ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ‏,‏ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَذَكَرَ مِثْلُ هَذَا حَرْفًا حَرْفًا فِي فَتْحِ الشَّامَ‏,‏ وَفَتْحِ الْعِرَاقِ‏.‏

وَقَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ‏:‏ هَلُمَّ إلَى الرَّخَاءِ‏,‏ هَلُمَّ إلَى الرَّخَاءِ‏,‏ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ‏,‏ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ رَغْبَةً عَنْهَا إلاَّ أَخْلَفَ اللَّهُ فِيهَا خَيْرًا مِنْهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ إنَّمَا أَخْبَرَ عليه السلام بِأَنَّ الْمَدِينَةَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ‏,‏ وَالشَّامِ‏,‏ وَالْعِرَاقِ‏,‏ وَبِلاَدِ الرَّخَاءِ‏,‏ وَهَذَا لاَ شَكَّ فِيهِ‏,‏ وَلَيْسَ فِيهِ فَضْلُهَا عَلَى مَكَّةَ‏,‏ وَلاَ ذِكْرَ لِمَكَّةَ أَصْلاً‏.‏

وَأَمَّا إخْبَارُهُ عليه السلام أَيْضًا بِأَنَّ الْمَدِينَةَ خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ الْبِلاَدِ لَهُمْ فَإِنَّمَا هُوَ أَيْضًا فِي خَاصٍّ لاَ عَامٍّ وَهُوَ مَنْ خَرَجَ عَنْهَا طَلَبَ رَخَاءٍ‏,‏ أَوْ لِعَرَضِ دُنْيَا‏;‏ وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ عَنْهَا لِجِهَادٍ‏,‏ أَوْ لِحُكْمٍ بِالْعَدْلِ‏,‏ أَوْ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ دِينَهُمْ فَلاَ‏,‏ بَلْ الَّذِي خَرَجُوا لَهُ أَفْضَلُ مِنْ مُقَامِهِمْ بِالْمَدِينَةِ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ خُرُوجُهُ عليه السلام عَنْهَا لِلْجِهَادِ وَأَمْرُهُ النَّاسَ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ وَالْوَعِيدُ عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ بِالْمَدِينَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ‏,‏ وَكَذَلِكَ بَعْثَتُهُ عليه السلام أَصْحَابَهُ إلَى الْيَمَنِ‏,‏ وَالْبَحْرَيْنِ‏,‏ وَعُمَانَ لِلدُّعَاءِ إلَى الإِسْلاَمِ‏,‏ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ‏,‏ وَالسُّنَنِ‏,‏ وَهُوَ عليه السلام يَقُولُ‏:‏ الدِّينُ النَّصِيحَةُ فَبِلاَ شَكٍّ أَنَّهُ قَدْ نَصَحَهُمْ فِي إخْرَاجِهِمْ لِذَلِكَ‏.‏

فَصَحَّ قَوْلُنَا‏:‏ وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ فِي هَذَا فِي دَعْوَاهُمْ فَضْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ لاَ يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ رَغْبَةً عَنْهَا فَهَذَا الْحَقُّ وَعَلَى مَنْ يَرْغَبُ عَنْ الْمَدِينَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ فَمَا هُوَ بِمُسْلِمٍ‏,‏ وَكَذَلِكَ بِلاَ شَكٍّ مَنْ رَغِبَ عَنْ مَكَّةَ وَلَيْسَ فِي هَذَا فَضْلٌ لَهَا عَلَى مَكَّةَ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى وَهَذَا إنَّمَا فِيهِ‏:‏ أَنَّ مِنْ الْمَدِينَةِ تُفْتَحُ الدُّنْيَا وَلَيْسَ فِي هَذَا فَضْلٌ لَهَا عَلَى مَكَّةَ وَقَدْ فُتِحَتْ خُرَاسَانُ‏,‏ وَسِجِسْتَانُ‏,‏ وَفَارِسُ‏,‏ وَكَرْمَانُ‏,‏ مِنْ الْبَصْرَةِ‏,‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى فَضْلِ الْبَصْرَةِ عَلَى مَكَّةَ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ إنَّ الإِيمَانَ يَأْرِزُ إلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلَى جُحْرِهَا وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ فَضْلُهَا عَلَى مَكَّةَ وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ بِلاَ شَكٍّ‏.‏

وَ

بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ عليه السلام لاَ يَقُولُ إلاَّ الْحَقَّ وَهُوَ الْيَوْمَ بِخِلاَفِ ذَلِكَ فَوَا حُزْنَاهُ وَوَا أَسَفَاهُ وَمَا الإِسْلاَمُ ظَاهِرًا إلاَّ فِي غَيْرِهَا وَنَسْأَلُ اللَّهُ إعَادَتَهَا إلَى أَفْضَلِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَعْدَهُ عليه السلام‏.‏

وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ بِزِيَادَةٍ كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حدثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حدثنا عَاصِمُ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنَّ الإِسْلاَمَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلَى جُحْرِهَا فَفِي هَذَا أَنَّ الإِيمَانَ يَأْرِزُ بَيْنَ مَسْجِدِ مَكَّةَ‏,‏ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ حَدِيثُ أَنَسٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إلَى جُدُرَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَع رَاحِلَتَهُ مِنْ حُبِّهَا وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ إلاَّ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُحِبُّهَا‏.‏

وَنَعَمْ هَذَا حَقٌّ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّهَا أَكْثَرَ مِنْ حُبِّهِ مَكَّةَ‏,‏ وَلاَ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ لاَ يَكِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ إلاَّ انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ لاَ يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إلاَّ أَذَابَهُ اللَّهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ‏,‏ أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ‏,‏ وَمَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَخَافَهُ اللَّهُ‏,‏ وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ‏,‏ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ‏,‏ لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا، وَلاَ عَدْلاً‏.‏

وَقَوْلُهُ عليه السلام مَثَلُ هَذَا فِيمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا وَهَذَا صَحِيحٌ‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهِ الْوَعِيدُ عَلَى مَنْ كَادَ أَهْلَهَا، وَلاَ يَحِلُّ كَيْدُ مُسْلِمٍ‏,‏ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ‏.‏

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْ مَكَّةَ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏ فَصَحَّ الْوَعِيدُ عَلَى مَنْ ظَلَمَ بِمَكَّةَ كَالْوَعِيدِ عَلَى مَنْ كَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ لاَ يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لاَْوَائِهَا وَشَدَّتِهَا إلاَّ كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّمَا فِي هَذَا الْحَضِّ عَلَى الثَّبَاتِ عَلَى شِدَّتِهَا وَأَنَّهُ يَكُونُ لَهُمْ شَفِيعًا وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهَا عَلَى مَكَّةَ‏.‏

وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام يَشْفَعُ لِجَمِيعِ أُمَّتِهِ‏.‏

وَقَدْ قَالَ عليه السلام‏:‏ ‏"‏ الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا‏,‏ وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلاَّ الْجَنَّةَ ‏"‏ وَهَذَا لاَ يَكُونُ إلاَّ بِمَكَّةَ فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ الشَّفَاعَةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا كُلُّ بِرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ فَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهَا عَلَى مَكَّةَ وَإِنَّمَا دَعَا عليه السلام بِهَذَا كَمَا تَرَى فِي أَحَدِ الأَمْرَيْنِ‏:‏ إمَّا أَنْ يُحَبِّبَهَا إلَيْهِمْ كَحُبِّهِمْ مَكَّةَ‏,‏ وَأَمَّا أَشَدُّ مِنْ حُبِّهِمْ مَكَّةَ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ الأَمْرَيْنِ أُجِيبَ بِهِ دُعَاؤُهُ عليه السلام‏,‏ وَحُبُّ الْبَلَدِ يَكُونُ لِلْمُوَافَقَةِ وَالآُلْفَةِ وَلَيْسَ فِي هَذَا فَضْلٌ عَلَى مَكَّةَ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ لَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قَيْدٍ يَعْنِي سُقُوطَهُ خَيْرٌ مِنْ الأَنْبَاطِ وَمَا فِيهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي وَأَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا مِنْ هَذَا أَنَّ مَكَّةَ مِنْ الدُّنْيَا فَمَوْضِعُ قَابِ قَوْسٍ مِنْ تِلْكَ الرَّوْضَةِ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ فَلَيْسَ هَذَا كَمَا ظَنُّوهُ‏,‏ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ مِصْرُ‏,‏ وَالْكُوفَةُ‏,‏ وِرَاؤُنَا‏:‏ خَيْرًا مِنْ مَكَّةَ‏,‏ وَالْمَدِينَةِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ مُسْلِمٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ نُمَيْرٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام‏:‏ سَيْحَانُ‏,‏ وَجَيْحَانُ‏,‏ وَالْفُرَاتُ‏,‏ وَالنِّيلُ‏,‏ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ وَهَذَا مَا لاَ يَقُولُهُ مُسْلِمٌ‏:‏ أَنَّ هَذِهِ الْبِلاَدَ مِنْ أَجْلِ مَا فِيهَا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ‏,‏ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ‏,‏ وَالْمَدِينَةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ لَيْسَ عَلَى مَا يَظُنُّهُ أَهْلُ الْجَهْلِ مِنْ أَنَّ تِلْكَ الرَّوْضَةَ قِطْعَةٌ مُنْقَطِعَةٌ مِنْ الْجَنَّةِ‏,‏ وَأَنَّ هَذِهِ الأَنْهَارَ مُهْبَطَةٌ مِنْ الْجَنَّةِ‏,‏ هَذَا بَاطِلٌ وَكَذِبٌ‏;‏ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي الْجَنَّةِ‏:‏ ‏{‏إنَّ لَكَ أَنْ لاَ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى‏}‏ فَهَذِهِ صِفَةُ الْجَنَّةِ بِلاَ شَكٍّ وَلَيْسَتْ هَذِهِ صِفَةَ الأَنْهَارِ الْمَذْكُورَةِ، وَلاَ تِلْكَ الرَّوْضَةِ‏,‏ وَرَسُولُ اللَّهِ عليه السلام لاَ يَقُولُ إلاَّ الْحَقَّ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ كَوْنَ تِلْكَ الرَّوْضَةِ مِنْ الْجَنَّةِ إنَّمَا هُوَ لَفْظُهَا‏,‏ وَأَنَّ الصَّلاَةَ فِيهَا تُؤَدِّي إلَى الْجَنَّةِ‏,‏ وَأَنَّ تِلْكَ الأَنْهَارَ لِبَرَكَتِهَا أُضِيفَتْ إلَى الْجَنَّةِ‏,‏ كَمَا تَقُولُ فِي الْيَوْمِ الطَّيِّبِ‏:‏ هَذَا مِنْ أَيَّامِ الْجَنَّةِ‏;‏ وَكَمَا قِيلَ فِي الضَّأْنِ‏:‏ إنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ‏,‏ وَكَمَا قَالَ عليه السلام‏:‏ إنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ فَهَذَا فِي أَرْضِ الْكُفْرِ بِلاَ شَكٍّ وَلَيْسَ فِي هَذَا فَضْلٌ لَهَا عَلَى مَكَّةَ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ مَا ادَّعُوهُ وَظَنُّوهُ لَمَا كَانَ الْفَضْلُ إلاَّ لِتِلْكَ الرَّوْضَةِ خَاصَّةً لاَ لِسَائِرِ الْمَدِينَةِ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ مَا قَرُبَ مِنْهَا أَفْضَلُ مِمَّا بَعُدَ‏.‏

قلنا‏:‏ يَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا أَنَّ الْجُحْفَةَ‏,‏ وَخَيْبَرَ‏,‏ وَوَادِيَ الْقُرَى أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ‏;‏ لأَِنَّها أَقْرَبُ إلَى تِلْكَ الرَّوْضَةِ مِنْ مَكَّةَ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَقُولُونَهُ‏,‏ وَلاَ يَقُولُهُ ذُو عَقْلٍ‏,‏ فَبَطَلَ تَظَنُّنُهُمْ‏,‏ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ‏.‏

وَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ يَتَأَوَّلُونَ الأَخْبَارَ الصِّحَاحَ بِلاَ بُرْهَانٍ مِثْلُ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا وَمِثْلُ لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرُ ذَلِكَ‏,‏ ثُمَّ يَأْتُونَ إلَى الأَخْبَارِ الَّتِي قَدْ صَحَّ الْ

بُرْهَانُ مِنْ الْقُرْآنِ‏,‏ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحِسِّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا فَيُرِيدُونَ حَمْلَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا‏,‏ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ‏;‏ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ‏,‏ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ‏.‏

وقد رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ، حدثنا مُوسَى بْنُ دَاوُد عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام قَالَ‏:‏ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنْ الْجَنَّةِ فَهَذَا بِمَكَّةَ فَاَلَّذِي بِمَكَّةَ مِنْ هَذَا كَاَلَّذِي لِلْمَدِينَةِ‏,‏ إذْ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْجَنَّةِ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ تَأَوَّلُوا هُمْ أَنَّ الصَّلاَةَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ بِدُونِ الأَلْفِ‏,‏ وَقُلْنَا نَحْنُ‏:‏ بَلْ هَذَا الاِسْتِثْنَاءُ‏;‏ لأَِنَّ الصَّلاَةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَكِلاَ التَّأْوِيلَيْنِ مُحْتَمَلٌ‏.‏

نَعَمْ‏,‏ تَأْوِيلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ إلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ الصَّلاَةَ فِي كِلَيْهِمَا سَوَاءٌ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى أَحَدِ هَذِهِ التَّأْوِيلاَتِ دُونَ الآخَرِ إلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ‏,‏ وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ فِي فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ قَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ لاَ يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ، وَلاَ الدَّجَّالُ وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ فَضْلُهَا عَلَى مَكَّةَ‏;‏ لأَِنَّه عليه السلام قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ مَكَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا الدَّجَّالُ أَيْضًا‏;‏ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَصْرِفُهُ عَنْهَا كَمَا يَصْرِفُهُ عَنْ الْمَدِينَةِ وَالْمَلاَئِكَةُ تَنْزِلُ عَلَى الْمُصَلِّينَ فِي كُلِّ بَلَدٍ كَمَا أَخْبَرَ عليه السلام‏:‏ ‏"‏ أَنَّهُ يَتَعَاقَبُ فِينَا مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ‏"‏‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ قَوْلُهُ عليه السلام هِيَ طَيِّبَةٌ وَنَعَمْ‏,‏ هِيَ وَاَللَّهِ طَيِّبَةٌ‏,‏ وَلَيْسَ فِي هَذَا فَضْلٌ لَهَا عَلَى مَكَّةَ أَصْلاً‏.‏

فَهَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ الأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مَا لَهُمْ خَبَرٌ صَحِيحٌ سِوَى هَذِهِ‏,‏ وَكُلُّهَا لاَ حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ أَصْلاً عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

وَاحْتَجُّوا عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ‏:‏ أَنْتَ الْقَائِلُ‏:‏ لَمَكَّةَ خَيْرٌ مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ‏,‏ وَفِيهَا بَيْتُهُ‏,‏ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ لاَ أَقُولُ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَأَمْنِهِ شَيْئًا‏,‏ أَنْتَ الْقَائِلُ‏:‏ لَمَكَّةَ خَيْرٌ مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ هِيَ حَرَمُ اللَّهِ وَأَمْنُهُ‏,‏ وَفِيهَا بَيْتُهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ لاَ أَقُولُ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَأَمْنِهِ شَيْئًا‏;‏ ثُمَّ انْصَرَفَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ‏;‏ لأَِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشٍ لَمْ يُنْكِرْ لِعُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ مَا قَرَّرَهُ عَلَيْهِ بَلْ احْتَجَّ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِمَا لَمْ يَعْتَرِضْ فِيهِ عُمَرُ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشٍ وَهُوَ صَاحِبٌ كَانَ يَقُولُ‏:‏ مَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَنْ عُمَرَ‏:‏ لاَ أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ‏,‏ وَلاَ أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ‏;‏ وَإِنَّمَا فِيهِ تَقْرِيرُهُ لِعَبْدِ اللَّهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَطْ‏,‏ وَنَحْنُ نُوجِدُهُمْ عَنْ عُمَرَ تَصْرِيحًا بِأَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيّ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عَتِيقٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُول‏:‏ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُول‏:‏ ‏"‏ صَلاَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلاَةٍ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ عليه السلام ‏"‏ وَهَذَا سَنَدٌ كَالشَّمْسِ فِي الصِّحَّةِ‏,‏ فَهَذَانِ صَاحِبَانِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ‏,‏ وَمِثْلُ هَذَا حُجَّةٌ عِنْدَهُمْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ‏:‏ مِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ إِيلِيَا فَاعْتَكَفَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ عليه السلام بِالْمَدِينَةِ أَجْزَأَ عَنْهُ‏,‏ وَمِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ عليه السلام فَاعْتَكَفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَجْزَأَ عَنْهُ‏.‏

فَهَذَا سَعِيدٌ فَقِيهُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُصَرِّحُ بِفَضْلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَاحْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ مَوْضُوعَةٍ يَجِبُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا وَالتَّحْذِيرُ مِنْهَا‏.‏

مِنْهَا‏:‏ خَبَرٌ رُوِّينَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ فِي مَيِّتٍ رَآهُ‏:‏ دُفِنَ فِي التُّرْبَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا‏,‏ قَالُوا‏:‏ وَالنَّبِيُّ عليه السلام دُفِنَ بِالْمَدِينَةِ فَمِنْ تُرْبَتِهَا خُلِقَ وَهُوَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ فَهِيَ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ‏.‏

وَهَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ‏;‏ لأَِنَّ فِي أَحَدِ طَرِيقَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ وَهُوَ سَاقِطٌ بِالْجُمْلَةِ‏,‏ قَالَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ‏:‏ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَهُوَ بِالْجُمْلَةِ مُتَّفَقٌ عَلَى اطِّرَاحِهِ ثُمَّ هُوَ أَيْضًا عَنْ أُنَيْسِ بْنِ يَحْيَى مُرْسَلٌ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ أُنَيْسُ بْنُ يَحْيَى وَالطَّرِيقُ الآُخْرَى مِنْ رِوَايَةِ أَبِي خَالِدٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ يَحْيَى الْبَكَّاءِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ‏;‏ لأَِنَّه إنَّمَا كَانَ يَكُونُ الْفَضْلُ لِقَبْرِهِ عليه السلام فَقَطْ‏,‏ وَإِلاَّ فَقَدْ دُفِنَ فِيهَا الْمُنَافِقُونَ‏,‏ وَقَدْ دُفِنَ الأَنْبِيَاءُ عليهم السلام مِنْ إبْرَاهِيمَ‏,‏ وَإِسْحَاقَ‏,‏ وَيَعْقُوبَ‏,‏ وَمُوسَى‏,‏ وَهَارُونَ‏,‏ وَسُلَيْمَانَ‏,‏ وَدَاوُد عليهم السلام‏,‏ وَغَيْرِهِمْ بِالشَّامِ‏,‏ وَلاَ يَقُولُ مُسْلِمٌ‏:‏ إنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ‏.‏

وَمِنْهَا اُفْتُتِحَتْ الْمَدَائِنُ بِالسَّيْفِ وَفُتِحَتْ الْمَدِينَةُ بِالْقُرْآنِ وَهَذَا أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ الْمَذْكُورِ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ‏,‏ وَهَذَا مِنْ وَضْعِهِ بِلاَ شَكٍّ‏;‏ لأَِنَّه رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام‏,‏ وَمِثْلُ هَذَا الشَّارِعِ الْعَجِيبِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْلُكَ إلَيْهِ إلاَّ مِثْلُ هَذِهِ الْمَزْبَلَةِ‏,‏ وَهَذَا إسْنَادٌ لاَ يَنْفَرِدُ بِمِثْلِهِ إلاَّ ابْنُ زُبَالَةَ دُونَ سَائِرِ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ مِنْ الثِّقَاتِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ فِي فَضْلِهَا عَلَى مَكَّةَ‏;‏ لأَِنَّ الْبَحْرَيْنِ وَأَكْثَرَ مَدَائِنِ الْيَمَنِ كَصَنْعَاءَ وَالْجُنْدِ وَغَيْرِهَا لَمْ تُفْتَحْ بِسَيْفٍ إلاَّ بِالْقُرْآنِ فَقَطْ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُوجِبٍ فَضْلَهَا عَلَى مَكَّةَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وَمِنْهَا مَا عَلَى الأَرْضِ بُقْعَةٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي فِيهَا مِنْهَا وَهَذَا مِنْ رِوَايَة الْكَذَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مُرْسَلٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ فِي فَضْلِهَا عَلَى مَكَّةَ‏;‏ لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام كَرِهَ لِلْمُهَاجِرِينَ وَهُوَ سَيِّدُهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إلَى مَكَّةَ لِيُحْشَرُوا غُرَبَاءَ مَطْرُودِينَ عَنْ وَطَنِهِمْ فِي اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى إنَّهُ عليه السلام رَثَا لِسَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ تَمَامِ نُسُكِهِ أَنْ يَبْقَى بِمَكَّةَ إلاَّ ثَلاَثَ لَيَالٍ فَقَطْ‏;‏ فَإِذَا خَرَجَتْ مَكَّةَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ عَنْ أَنْ يُدْفَنَ فِيهَا النَّبِيُّ عليه السلام فَالْمَدِينَةُ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ بَعْدَهَا بِلاَ شَكٍّ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيق الْبَزَّارِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ هَيَّاجٍ، حدثنا الْفُضَيْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى قَالَ‏:‏ مَرِضَ سَعْدٌ بِمَكَّةَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ عليه السلام يَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ تَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ فِي الأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا قَالَ‏:‏ بَلَى وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ‏,‏ فَهَذَا نَصُّ مَا قلنا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ اللَّهُمَّ إنَّكَ أَخْرَجْتَنِي مِنْ أَحَبِّ بِلاَدِكَ إلَيَّ فَأَسْكِنِي أَحَبَّ الْبِلاَدِ إلَيْكَ وَهَذَا مَوْضُوعٌ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ الْمَذْكُورِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مُرْسَلٌ‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ الْمَدِينَةُ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ هَكَذَا تَصْرِيحٌ رُوِّينَا مِنْ طُرُقٍ‏.‏

أَحَدُهَا‏:‏ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ صَاحِبِ هَذِهِ الْفَضَائِحِ كُلِّهَا الْمُنْفَرِدِ بِوَضْعِهَا عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ مِنْ طَرِيق مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ الرَّدَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ مَالِكٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ النَّبِيّ عليه السلام ‏,‏، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا مَجْهُولٌ لاَ يَدْرِيه أَحَدٌ‏.‏

وَالثَّالِثُ‏:‏ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ صَاحِبِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الرَّدَّادِ الْمَذْكُورِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ قَالَ رَافِعٌ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام‏,‏ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ هَذَا ضَعِيفٌ بِلاَ خِلاَفٍ‏,‏ وَابْنُ الرَّدَّادِ مَجْهُولٌ وَمِثْلُ هَذَا الشَّارِعِ الْعَجِيبِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْلَكَ عَلَيْهِ إلاَّ عَلَى هَذِهِ الزَّوَايِغِ الْوَحْشَةِ‏.‏

وهذا الخبر رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ‏,‏ قَالَ مُسْلِمٌ ‏"‏، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ‏:‏ خَطَبَ مَرْوَانُ فَذَكَرَ مَكَّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَدِينَةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا فَنَادَاهُ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ فَقَالَ أَسْمَعُك ذَكَرْت مَكَّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا وَلَمْ تَذْكُرْ الْمَدِينَةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا‏,‏ وَقَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا وَذَلِكَ عِنْدَنَا فِي أَدِيمٍ خُولاَنِيٍّ إنْ شِئْتُمْ أَقْرَأْتُكُمْ فَقَالَ مَرْوَانُ‏:‏ قَدْ سَمِعْت بَعْضَ ذَلِكَ ‏"‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَهَكَذَا كَانَ الْحَدِيثُ فَبَدَّلَهُ أَهْلُ الزَّيْغِ عَصَبِيَّةً عَجَّلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ بِهَا الْفَضِيحَةَ فِي الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام وَصِفَةِ الْحَمَاقَةِ‏,‏ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ‏.‏

قال علي‏:‏ هذا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ قَدْ أَوْضَحْنَاهُ‏;‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

ثُمَّ نُورِدُ الآثَارَ الصَّحِيحَةَ وَالْبَرَاهِينَ الْوَاضِحَةَ فِي فَضْلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا‏,‏ أَوَّلُ ذَلِكَ‏:‏ حَبْسُ اللَّهِ تَعَالَى الْفِيلَ عَنْهَا وَإِهْلاَكُهُ جَيْشَ رَاكِبِهِ إذْ أَرَادَ غَزْوَ مَكَّةَ‏.‏

ثُمَّ قَوْلُ رَسُولِ اللَّه عليه السلام فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ إذْ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ فَقَالَ النَّاسُ‏:‏ خَلاََتْ فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام‏:‏ مَا خَلاََتْ، وَلاَ هُوَ لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا‏}‏‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةِ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ‏}‏‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ‏}‏‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ‏}‏‏,‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ‏}‏‏,‏ ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا تَمَامَ الصَّلاَةِ‏,‏ وَالْحَجِّ‏,‏ وَالْعُمْرَةِ‏,‏ فَهِيَ الْقِبْلَةُ الَّتِي لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ إلاَّ بِالْقَصْدِ نَحْوَهَا‏,‏ وَإِلَيْهَا الْحَجُّ الْمُفْتَرَضُ‏,‏ وَالْعُمْرَةُ الْمُفْتَرَضَةُ‏,‏ وَإِنَّمَا فُرِضَتْ الْهِجْرَةُ إلَى الْمَدِينَةِ مَا لَمْ تُفْتَحْ مَكَّةُ فَلَمَّا فُتِحَتْ بَطَلَتْ الْهِجْرَةُ‏,‏ فَهَذِهِ الْفَضِيلَةُ لِمَكَّةَ ثُمَّ لِلْمَدِينَةِ‏,‏ وَأَمَرَ عليه السلام أَنْ لاَ يُسْفَكَ فِيهَا دَمٌ‏,‏ وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَهَا يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ‏,‏ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ وَنَهَى عليه السلام أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا أَحَدٌ أَوْ يَسْتَدْبِرَهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيق الْبُخَارِيِّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، هُوَ ابْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ هُوَ أَخُوهُ قَالَ‏:‏ سَمِعْت أَبِي هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ‏:‏ أَلاَ أَيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمَ حُرْمَةً قَالُوا‏:‏ أَلاَ شَهْرُنَا هَذَا‏.‏

قَالَ‏:‏ أَلاَ أَيُّ بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمَ حُرْمَةً قَالُوا‏:‏ أَلاَ بَلَدُنَا هَذَا‏.‏

قَالَ‏:‏ أَلاَ أَيُّ يَوْمٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمَ حُرْمَةً قَالُوا‏:‏ أَلاَ يَوْمُنَا هَذَا‏.‏

قَالَ‏:‏ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ‏,‏ وَأَمْوَالَكُمْ‏,‏ وَأَعْرَاضَكُمْ‏,‏ إلاَّ بِحَقِّهَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا‏,‏ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا مِنْ شَهْرِكُمْ هَذَا أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاَثًا‏,‏ كُلُّ ذَلِكَ يُجِيبُونَهُ‏:‏ أَلاَ نَعَمْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام فِي حَجَّتِهِ‏:‏ أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ يَوْمُنَا هَذَا قَالَ‏:‏ فَأَيُّ بَلَدٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ بَلَدُنَا هَذَا ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ‏.‏

فَهَذَانِ‏:‏ جَابِرٌ‏,‏ وَابْنُ عُمَرَ يَشْهَدَانِ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام قَرَّرَ النَّاسَ عَلَى أَيِّ بَلَدٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً فَأَجَابُوهُ بِأَنَّهُ مَكَّةُ وَصَدَّقَهُمْ فِي ذَلِكَ‏,‏ وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ فِي إجَابَتِهِمْ إيَّاهُ عليه السلام بِأَنَّ بَلَدَهُمْ ذَلِكَ‏,‏ وَهُمْ بِمَكَّةَ‏,‏ فَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَقَدْ خَالَفَ الإِجْمَاعَ‏.‏

فَصَحَّ بِالنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ أَنَّ مَكَّةَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ الْمَدِينَةِ‏,‏ وَإِذَا كَانَتْ أَعْظَمَ حُرْمَةً مِنْ الْمَدِينَةِ فَهِيَ أَفْضَلُ بِلاَ شَكٍّ‏;‏ لأَِنَّ أَعْظَمَ الْحُرْمَةِ لاَ يَكُونُ إلاَّ لِلأَفْضَلِ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ لاَ لِلأَقَلِّ فَضْلاً‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام كَانَ بِالْحَجُونِ فَقَالَ‏:‏ وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيَّ وَلَوْ لَمْ أُخْرَجْ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ‏,‏ لَمْ تَحِلَّ لاَِحَدٍ قَبْلِي‏,‏ وَلاَ تَحِلُّ لاَِحَدٍ بَعْدِي وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام وَقَفَ بِالْحَجُونِ فَقَالَ‏:‏ إنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ‏,‏ وَلَوْ تُرِكْتُ فِيكِ مَا خَرَجْتُ مِنْكِ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حدثنا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ‏,‏ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ‏,‏ وَإِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ سَلَمَةُ‏:‏ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت مَعْمَرًا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام وَهُوَ فِي سُوقِ الْجَزُورَةِ بِمَكَّةَ‏:‏ وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ الْبِلاَدِ إلَى اللَّهِ‏,‏ وَلَوْلاَ أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ‏.‏

وَقَالَ قُتَيْبَةُ‏:‏ حدثنا اللَّيْثُ، وَ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عَقِيلِ بْنِ خَالِدٍ‏,‏ وَقَالَ إِسْحَاقُ‏:‏ حدثنا يَعْقُوبُ، وَ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفِ، حدثنا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ‏;‏ ثُمَّ اتَّفَقَ عُقَيْلٌ‏,‏ وَصَالِحٌ‏,‏ وَكِلاَهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ‏:‏ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ ابْنِ الْحَمْرَاءِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْجَزُورَةِ مِنْ مَكَّةَ يَقُولُ لِمَكَّةَ‏:‏ وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ‏,‏ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ‏,‏ وَلَوْلاَ أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ‏.‏

لَمْ يَخْتَلِفْ عُقَيْلٌ‏,‏ وَصَالِحٌ‏,‏ فِي شَيْءٍ مِنْ لَفْظِهِ عليه السلام‏,‏ إلاَّ أَنَّ عَقِيلاً قَالَ‏:‏ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ ابْنِ الْحَمْرَاءِ وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا مَشْهُورٌ مِنْ الصَّحَابَةِ زُهْرِيُّ النَّسَبِ‏.‏

حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ، حدثنا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ، حدثنا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْرَوَيْهِ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، حدثنا أَبُو الْيَمَانِ هُوَ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ أَخْبَرَهُ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْجَزُورَةِ فِي سُوقِ مَكَّةَ‏:‏ وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ‏,‏ وَلَوْلاَ أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ جُمْلَةً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ‏.‏

وَهَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَبُو هُرَيْرَةَ‏,‏ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ وَرَوَاهُ عَنْهُمَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ‏.‏

وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ‏,‏ والدراوردي وَرَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَصْحَابُهُ الثِّقَاتُ‏:‏ مَعْمَرٌ‏,‏ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ‏,‏ وَعُقَيْلٌ‏,‏ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْهُ يُونُسُ بْنُ زَيْدٍ‏,‏ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ‏.‏

وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلاَءِ الْجَمْعِ الْغَفِيرِ‏,‏ وَلاَ مَقَالَ لاَِحَدٍ بَعْدَ هَذَا‏.‏

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ جَبْرُونَ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ‏,‏ وَأَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مُرَّةَ قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ، حدثنا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام‏:‏ صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلاَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةٍ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمِائَةِ صَلاَةٍ‏.‏

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ‏:‏ سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ فَقَالَ‏:‏ ثِقَةٌ‏,‏ وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ‏:‏ حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ ثِقَةٌ مَا أَصَحَّ حَدِيثَهُ‏,‏ هَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ بْنِ زُهَيْرٍ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُرَّةَ فِي رِوَايَتِهِ صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ‏,‏ وَصَلاَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَة صَلاَةٍ فِي مَسْجِدِي‏.‏

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِلَفْظِهِ وَإِسْنَادِهِ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام‏.‏

حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ صَحِيحٌ فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ جُمْلَةً‏,‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ‏.‏

فَرُوِيَ الْقَطْعُ بِفَضْلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ كَمَا أَوْرَدَنَا عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام‏:‏ جَابِرٌ‏,‏ وَأَبُو هُرَيْرَةَ‏,‏ وَابْنُ عُمَرَ‏,‏ وَابْنُ الزُّبَيْرِ‏,‏ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ‏.‏

خَمْسَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى عنهم‏,‏ مِنْهُمْ ثَلاَثَةٌ مَدَنِيُّونَ بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ‏.‏

وَرَوَاهَا عَنْ هَؤُلاَءِ‏:‏ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ ‏,‏، وَمُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ‏,‏ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ‏,‏ مِنْهُمْ ثَلاَثَةٌ مَدَنِيُّونَ‏.‏

وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلاَءِ‏:‏ عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ‏,‏ وَالأَعْمَشُ ‏,‏، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ‏,‏ وَالزُّهْرِيُّ‏,‏ وَحَبِيبُ الْمُعَلَّمُ‏,‏ مِنْهُمْ ثَلاَثَةٌ مَدَنِيُّونَ‏.‏

وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلاَءِ‏:‏ وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ‏,‏ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ الضَّرِيرُ‏,‏ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ‏,‏ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ‏,‏ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ‏,‏ وَمَعْمَرٌ‏,‏ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَعُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ‏,‏ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ‏,‏ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ‏,‏ وَيُونُسُ بْنُ زَيْدٍ مِنْهُمْ‏:‏ ثَلاَثَةٌ مَدَنِيُّونَ‏.‏

وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلاَءِ مَنْ لاَ يُحْصَى كَثْرَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ قَوْلُ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ‏,‏ وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَرْوِيًّا عَنْهُ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَسْلَمَ الْمُنْقِرِيُّ‏:‏ قُلْت لِعَطَاءٍ‏:‏ آتِي مَسْجِدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأُصَلِّي فِيهِ قَالَ‏:‏ فَقَالَ لِي عَطَاءٌ‏:‏ طَوَافٌ وَاحِدٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ سَفَرِك إلَى الْمَدِينَةِ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَسُفْيَانَ‏,‏ وَأَحْمَدَ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏